سورة البقرة - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)}
أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: {وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم} قال: لم تكونوا شيئاً فخلقكم {ثم يميتكم، ثم يحييكم} يوم القيامة.
وأخرج ابن حرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وكنتم أمواتاً} في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئاً حتى خلقكم، ثم يميتكم موتة الحق، ثم يحييكم حياة الحق حين يبعثكم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم فأحياهم الله فأخرجهم، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة. فهما حياتان وموتتان.
وأخرج وكيع وابن جرير عن أبي صالح في الآية قال: {يميتكم ثم يحييكم} في القبر ثم يميتكم.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: لم تكونوا شيئاً حتى خلقكم ثم يميتكم موتة الحق، ثم يحييكم وقوله: {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} مثلها.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية يقول: لم يكونوا شيئاً، ثم أماتهم، ثم أحياهم، ثم يوم القيامة يرجعون إليه بعد الحياة.


{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} قال: سخر لكم ما في الأرض جميعاً كرامة من الله، ونعمة لابن آدم. متاعاً وبلغة، ومنفعة إلى أجل.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} قال: سخر لكم ما في الأرض جميعاً {ثم استوى إلى السماء} قال: خلق الله الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرض ثار منها دخان، فذلك قوله: {ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات} يقول: خلق سبع سموات بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين بعضهن تحت بعض.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسوّاهن سبع سماوات} قال: إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئاً قبل الماء، فلما أراد أن يخلق أخرج مي الماء دخاناً، فارتفع فوق الماء، فسما سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضاً فتقها واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين. في الأحد والإِثنين، فخلق الأرض على حوت وهو الذي ذكره في قوله: {ن والقلم} والحوت من الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على صخرة، والصخرة في الريح، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان؛ ليست في السماء ولا في الأرض، فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض، فأرسى عليها الجبال، فالجبال تفخر على الأرض. فذلك قوله: {وجعل لها رواسي أن تميد بكم} [ النحل: 15]. وخلق الجبال فيها، وأقوات أهلها، وشجرها، وما ينبغي لها في يومين: في الثلاثاء، والأربعاء، وذلك قوله: {أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض} [ فصلت: 9] إلى قوله: {وبارك فيها} [ فصلت: 10] يقول: أنبت شجرها، وقدر فيها أقواتها، يقول لأهلها {في أربعة أيام سواء للسائلين} [ فصلت: 10] يقول: من سأل فهكذا الأمر {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس، ثم جعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين: في الخميس، والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض {وأوحى في كل سماء أمرها} [ فصلت: 12] قال: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة، والخلق الذي فيها، من البحار، وجبال، البرد، وما لا يعلم. ثم زين السماء الدنيا بالكواكب، فجعلها زينة وحفظاً من الشياطين، فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {ثم استوى إلى السماء} يعني خلق سبع سموات قال: أجرى النار على الماء، فبخر البحر، فصعد في الهواء، فجعل السموات منه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي العالية في قوله: {ثم استوى إلى السماء} قال: ارتفع. وفي قوله: {فسوّاهن} قال: سوى خلقهن.
وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن عمرو قال: لما أراد الله أن يخلق الأشياء إذ كان عرشه على الماء، وإذ لا أرض ولا سماء. خلق الريح فسلطها على الماء حتى اضطربت أمواجه، وأثار ركامه، فأخرج من الماء دخاناً وطيناً وزبداً، فأمر الدخان فعلا وسما ونما، فخلق منه السموات، وخلق من الطين الأرضين، وخلق من الزبد الجبال.
وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ ومسلم والنسائي وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: «أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإِثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، بعد العصر».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية وابن أبي الدنيا في كتاب المطر وابن أبي عاصم في السنة وأبو يعلى وابن خزيمة في التوحيد وابن أبي حاتم وأبو أحمد والحاكم في الكنى والطبراني في الكبير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه واللالكائي في السنة والبيهقي في الأسماء والصفات عن العباس بن عبد المطلب قال: «كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم! قال: بينهما مسيرة خمسمائة عام، ومن مسيرة سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام، وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وفوق السماء السابعة بحر. بين أعلاه واسفله كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، بين وركهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله سبحانه وتعالى علمه فوق ذلك، وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء».
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده والبزار وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، كذلك إلى السماء السابعة. والأرضون مثل ذلك، وما بين السماء السابعة إلى العرش مثل جميع ذلك، ولو حفرتم لصاحبكم ثم دليتموه لوجد الله ثمة يعني علمه».
وأخرج الترمذي وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال: «كنا حلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت سحابة فقال: أتدرون ما هذه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم فقال: هذه الغبابة، هذه روايا الأرض يسوقها الله إلى بلد لا يعبدونه ولا يشكرونه. هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: فإن فوق ذلك سماء. هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: فإن فوق ذلك موجاً مكفوفاً وسقفاً محفوظاً. هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: فإن فوق ذلك سماء. هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: فإن فوق ذلك سماء أخرى. هل تدرون كم ما بينهما؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: فإن بينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع سموات بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: فإن فوق ذلك العرش. فهل تدرون كم بينهما؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: فإن بيق ذلك كما بين السماءين، ثم قال: هل تدرون ما هذه؟ هذه أرض. هل تدرون ما تحتها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: أرض أخرى وبينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام».
وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه واللالكائي والبيهقي عن ابن مسعود قال: بين السماء والأرض خمسمائة عام، وما بين كل سماءين خمسمائة عام، ومصير كل سماء يعني غلظ ذلك مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين ذلك الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام. والعرش على الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه.
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه نظر إلى السماء فقال: تبارك الله ما أشد بياضها، والثانية أشد بياضاً منها، ثم كذلك حتى بلغ سبع سموات. وخلق فوق السابعة الماء، وجعل فوق الماء العرش، وجعل فوق السماء الدنيا الشمس، والقمر، والنجوم، والرجوم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: «قال رجل: يا رسول الله ما هذه السماء؟ قال: هذه موج مكفوف عنكم».
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: السماء الدنيا موج مكفوف، والثانية مرمرة بيضاء، والثالثة حديد، والرابعة نحاس، والخامسة فضة، والسادسة ذهب، والسابعة ياقوتة حمراء، وما فوق ذلك صحارى من نور، ولا يعلم ما فوق ذلك إلا الله، وملك موكل بالحجب يقال له ميطاطروش.
وأخرج أبو الشيخ عن سلمان الفارسي قال: السماء الدنيا من زمردة خضراء واسمها رقيعاء، والثانية من فضة بيضاء واسمها أزقلون، والثالثة من ياقوتة حمراء واسمها قيدوم، والرابعة من درة بيضاء واسمها ماعونا، والخامسة من ذهبة حمراء واسمها ريقا، والسادسة منق ياقوتة صفراء واسمها دقناء، والسابعة من نور واسمها عربيا.
وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: اسم السماء الدنيا رقيع، واسم السابعة الصراخ.
وأخرج عثمان بن سعيد الدرامي في كتاب الرد على الجهمية وابن المنذر عن ابن عباس قال: سيد السموات السماء التي فيها العرش، وسيد الأرضين الأرض التي أنتم عليها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن السماء من أي شيء هي؟ فكتب إليه: إن السماء من موج مكفوف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن حبة العوفي قال: سمعت علياً ذات يوم يحلف، والذي خلق السماء من دخان وماء.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال: السماء أشد بياضاً من اللبن.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري قال: تحت الأرضين صخرة، بلغنا أن تلك الصخرة منها خضرة السماء.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله، فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة لآف نور. وهو فوق ذلك.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله: {فسواهن سبع سماوات} قال: بعضهن فوق بعض، بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام.
أما قوله تعالى: {وهو بكل شيء عليم}.
أخرج ابن الضريس عن ابن مسعود قال: إن أعدل آية في القرآن آخرها اسم من أسماء الله تعالى.


{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)}
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: ما كان في القرآن {إذ} فقد كان.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله: {إني جاعل} قال: فاعل.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كل شيء في القرآن (جُعِلَ) فهو خُلِقَ.
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن الله أخرج آدم من الجنة قبل أن يخلقه ثم قرأ {إني جاعل في الأرض خليفة}.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: لقد أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يدخلها قال الله: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان، ففسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنوداً من الملائكة، فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور، فلما قال الله: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} كما فعل أولئك الجان فقال الله: {إني أعلم ما لا تعلمون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر. مثله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث، فكان خازناً من خزان الجنة، وخلقت الملائكة كلهم من نور غير ذلك الحي، وخلقت الجن من مارج من نار. وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت، فأول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء وقتلوا بعضهم بعضاً، فبعث الله اليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم حتى ألحقهم بجزائر البحور واطراف الجبال، فلما فعل إبليس ذلك اغتر بنفسه وقال: قد صنعت شيئاً لم يصنعه أحد، فاطلع الله على ذلك من قلبه ولم تطلع عليه الملائكة. فقال الله للملائكة {إني جاعل في الأرض خليفة} فقالت الملائكة {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} كما أفسدت الجن قال: {إني أعلم ما لا تعلمون} يقول: إني قد أطلعت من قلب ابليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره.
ثم أمر بتربة آدم فرفعت، فخلق الله آدم عليه السلام من طين {لازب} واللازب اللزج الطيب من {حمإ مسنون} منتن، وإنما كان حمأ مسنوناً بعد التراب، فخلق منه آدم بيده، فمكث أربعين ليلة جسداً ملقى، فكان ابليس يأتيه يضربه برجله، فيصلصل فيصوت ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره، ويدخل من دبره ويخرج من فمه، ثم يقول: لست شيئاً، ولشيء ما خلقت! ولئن سلطت عليك لأهلكنك، ولئن سلطت علي لأعصينك.
فلما نفخ الله فيه من روحه أتت النفخة من قبل رأسه، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحماً ودماً، فلما انتهت النفخة إلى سرَّته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده، فذهب لينهض فلم يقدر. فهو قول الله: {خلق الإِنسان من عجل}.
فلما تممت النفخة في جسده عطس فقال: {الحمد لله رب العالمين} بإلهام من الله فقال الله له «يرحمك الله يا آدم»، ثم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات: {اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر} لما حدث في نفسه من الكبر فقال: لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سناً، وأقوى خلقاً، فأبلسه الله وآيسه من الخير كله، وجعله شيطاناً رجيماً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن أبي العالية قال: إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجن يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، فكفر قوم من الجن. فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدماء، وكان الفساد في الأرض. فمن ثم قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: لما خلق الله النار ذعرت منها الملائكة ذعراً شديداً وقالوا: ربنا لم خلقت هذه؟ قال: لمن عصاني من خلقي ولم يكن لله خلق يومئذ إلا الملائكة قالوا: يا رب ويأتي علينا دهر نعصيك فيه؟ قال: لا. إني أريد أن أخلق في الأرض خلقاً، وأجعل فيها خليفة يسفكون الدماء، ويفسدون في الأرض قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها} فاجعلنا نحن فيها {فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون}.
وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة. لما فرغ الله من خلق ما أحب، استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا. وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن، وإنما سموا الجن لأنهم خزائن الجنة، وكان إبليس مع ملكه خازناً، فوقع في صدره كبر وقال: ما أعطاني الله هذا إلا لمزيد أو لمزية لي، فاطلع الله على ذلك منه فقال للملائكة {إني جاعل في الأرض خليفة} قالوا ربنا {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء... قال إني أعلم ما لا تعلمون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإذ قال ربك للملائكة....} الآية. قال: إن الله قال للملائكة: إني خالق بشراً، وإنهم متحاسدون فيقتل بعضهم بعضاً ويفسدون في الأرض.
فلذلك قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها} قال: وكان إبليس أميراً على ملائكة سماء الدنيا، فاستكبر وهمَّ بالمعصية وطغى، فعلم الله ذلك منه. فذلك قوله: {إني أعلم ما لا تعلمون} وإن في نفس إبليس بغياً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} قال: قد علمت الملائكة وعلم الله أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدماء والفساد في الأرض.
وأخرج ابن المنذر وابن بطة في أماليه عن ابن عباس قال: إياكم والرأي فإن الله تعالى رد الرأي على الملائكة، وذلك أن الله تعالى قال: {إني جاعل في الأرض خليفة} قالت الملائكة {أتجعل فيها من يفسد فيها... قال إني أعلم ما لا تعلمون}.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول من لبى الملائكة قال الله: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} قال: فزادوه فأعرض عنهم، فطافوا بالعرش ست سنين يقولون: لبيك لبيك اعتذاراً إليك، لبيك لبيك نستغفرك ونتوب إليك».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن سابط إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دحيت الأرض من مكة، وكانت الملائكة تطوف بالبيت فهي أوّل من طاف به، وهي الأرض التي قال الله: {إني جاعل في الأرض خليفة} وكان النبي إذا هلك قومه ونجا هو والصالحون أتاها هو ومن معه، فيعبدون الله بها حتى يموتوا فيها، وأن قبر نوح، وهود، وشعيب، وصالح، بين زمزم وبين الركن والمقام».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} قال (التسبيح) التسبيح و(التقديس) الصلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحب الكلام إلى الله ما اصطفاه الله لملائكته. سبحان ربي وبحمده وفي لفظ سبحان الله وبحمده».
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير «أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الملائكة، فلم يرد عليه شيئاً. فأتاه جبريل فقال: إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت».
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: {ونقدس لك} قال: نصلي لك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {التقديس} التطهير.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ونقدس لك} قال: نعظمك ونكبرك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} قال: نعظمك ونمجدك.
وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير في قوله: {إني أعلم ما لا تعلمون} قال: علم من إبليس المعصية وخلقه لها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {إني أعلم ما لا تعلمون} قال: كان في علم الله أنه سيكون من تلك الخليقة أنبياء، ورسل، وقوم صالحون وساكنو الجنة.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في الأمل عن الحسن قال: لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة: ربنا إن الأرض لم تسعهم قال: إني جاعل موتاً قالوا: إذاً لا يهنأ لهم العيش قال: إني جاعل أملاً.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمر «أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن آدم لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون} قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان؟ فقالوا: ربنا هاروت وماروت... قال فاهبطا إلى الأرض، فتمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك قالا: والله لا نشرك بالله أبداً. فذهب عنهما ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي قالا: لا والله لا نقتله أبداً. فذهبت ثم رجعت بقدح من خمر، فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر، فشربا فسكرا فوقعا عليها، وقتلا الصبي. فلما افاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئاً ابيتماه علي إلا قد فعلتماه حين سكرتما. فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا والآخرة، فاختارا عذاب الدنيا».
وأخرج ابن سعد في طبقاته وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والحكيم في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض. جاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب».
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: خلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة قالوا كيف خلقت قبل وهي من الأرض؟ قال: كانت حشفة على الماء عليها ملكان يسبحان الليل والنهار ألفي سنة، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها فجعلها في وسط الأرض، فلما أراد الله أن يخلق آدم بعث ملكاً من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض، فلما هوى ليأخذ قالت الأرض: أسألك بالذي أرسلك أن لا تأخذ مني اليوم شيئاً يكون منه للنار نصيب غداً، فتركها فلما رجع إلى ربه قال: ما منعك أن تأتي بما أمرتك؟ قال: سألتني بك فعظمت أن أرد شيئاً سألني بك، فأرسل ملكاً آخر فقال مثل ذلك حتى أرسلهم كلهم، فأرسل ملك الموت فقالت له مثل ذلك قال: إن الذي أرسلني أحق بالطاعة منك.
فأخذ من وجه الأرض كلها. من طيبها، وخبيثها، حتى كانت قبضة عند موضع الكعبة، فجاء به إلى ربه فصب عليه من ماء الجنة، فجاء حمأ مسنوناً، فخلق منه آدم بيده، ثم مسح على ظهره فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فتركه أربعين ليلة لا ينفخ فيه الروح، ثم نفخ فيه الروح، فجرى فيه الروح من رأسه إلى صدره، فأراد أن يثب، فتلا أبو هريرة {خلق الإِنسان من عجل}.
على ظهره فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فتركه أربعين ليلة لا ينفخ فيه الروح، ثم نفخ فيه الروح، فجرى فيه الروح من رأسه إلى صدره، فأراد أن يثب، فتلا أبو هريرة {خلق الإِنسان من عجل}.
فلما جرى فيه الروح قعد جالساً فعطس، فقال الله: قل الحمد لله. فقال: الحمد لله فقال: رحمك ربك، ثم قال: انطلق إلى هؤلاء الملائكة فسلم عليهم فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقال: هذه تحيتك وتحية ذريتك.
يا آدم. أي مكان أحب إليك أن أريك ذريتك فيه؟ فقال: بيمين ربي وكلتا يدي ربي يمين. فبسط يمينه فأراه فيها ذريته كلهم وما هو خالق إلى يوم القيامة. الصحيح على هيئته، والمبتلى على هيئته، والأنبياء كلهم على هيئتهم. فقال: أي رب ألا عافيتهم كلهم؟ فقال: إني أحببت أن أشكر فرأى فيها رجلاً ساطعاً نوره فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا ابنك داود فقال: كم عمره؟ قال: ستون سنة قال: كم عمري؟ قال: ألف سنة قال: انقص من عنري أربعين سنة فزدها في عمره، ثم رأى آخر ساطعاً نوره ليس مع أحد من الأنبياء مثل ما معه فقال: أي رب من هذا؟ قال: هذا ابنك محمد، وهو أوّل من يدخل الجنة فقال آدم: الحمد لله الذي جعل من ذريتي من يسبقني إلى الجنة ولا أحسده.
فلما مضى لآدم ألف سنة إلا أربعين جاءته الملائكة تتوفاه عياناً قال: ما تريدون؟ قالوا أردنا أن نتوفاك قال: بقي من أجلي أربعون! قالوا: أليس قد أعطيتها ابنك داود؟ قال: ما أعطيت أحداً شيئاً.
قال أبو هريرة: جحد آدم، وجحدت ذريته، ونسي، ونسيت ذريته.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا: بعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني، فرجع ولم يأخذ شيئاً وقال: يا رب إنها أعاذت بك فأعذتها. فبعث الله ميكائيل كذلك. فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء، وبيضاء، وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به، فبل التراب حتى صار طيناً {لازباً} واللازب: هو الذي يلزق بعضه ببعض ثم قال للملائكة: إني خالق بشراً من طين، فخلقه الله بيده لئلا يتكبر عليه إبليس، فخلقه بشراً سوياً، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة، ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم منه فزعاً إبليس، فكان يمر به فيضربه، فيصوّت الجسد كما يصوّت الفخار يكون له صلصلة فيقول: لأمر ما خلقت! ويدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول للملائكة: لا ترهبوا منه فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سلطت عليه لأهلكنه.
فلما بلغ الحين الذي يريد الله أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل في رأسه عطس فقالت الملائكة: الحمد لله فقال: الحمد لله فقال الله له: يرحمك ربك. فلما دخلت الروح في عنقه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخلت إلى جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ إلى رجليه عجلاً إلى ثمار الجنة. وذلك قوله تعالى {خلق الإِنسان من عجل}.
وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال: بعث رب العزة إبليس، فأخذ من أديم الأرض: من عذبها، ومالحها، فخلق منها آدم. فكل شيء خلقه من عذبها فهو صائر إلى السعادة وإن كان ابن كافرين، وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى الشقاء وإن كان ابن نبيين. قال: ومن ثم قال إبليس: {أأسجد لمن خلقت طيناً}؟ إن هذه الطينة أنا جئت بها. ومن ثم سمي آدم لأنه أخذ من أديم الأرض.
وأخرج ابن جرير عن علي قال: إن آدم خلق من أديم الأرض. فيه الطيب، والصالح، والرديء، فكل ذلك أنت راء في ولده.
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي ذر «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن آدم خلق من ثلاث تربات: سوداء، وبيضاء، وحمراء».
وأخرج ابن سعد في الطبقات وعبد بن حميد وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات وابن عساكر عن سعيد بن جبير قال: خلق الله آدم من أرض يقال لها دحناء.
وأخرج الديلمي عن أبي هريرة مرفوعاً: «الهوى، والبلاء، والشهوة، معجونة بطينة آدم عليه السلام».
وأخرج الطيالسي وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو يعلي وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما صوّر الله تعالى آدم في الجنة تركه ما شاء أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو، فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك» ولفظ أبي الشيخ قال: «خلق لا يتمالك ظفرت به».
وأخرج ابن حبان عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما نفخ الله في آدم الروح فبلغ الروح رأسه عطس فقال: {الحمد لله رب العالمين} فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله».
وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما خلق الله آدم عطس، فألهمه الله ربه أن قال: الحمد لله قال له ربه: يرحمك الله. فلذلك سبقت رحمته غضبه».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: لما فرغ الله من خلق آدم وجرى فيه الروح عطس فقال: الحمد لله فقال له ربه: يرحمك ربك.
وأخرج ابن سعد وأبو يعلي وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طيناً، ثم تركه حتى إذا كان حمأ مسنوناً خلقه وصوّره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخار، وجعل إبليس يمر به فيقول: لقد خلقت لأمر عظيم، ثم نفخ الله فيه من روحه، فكان أوّل شيء جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقنه الله حمد ربه فقال الرب: يرحمك ربك. ثم قال: يا آدم اذهب إلى أولئك النفر فقل لهم وانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله، فجاء إلى ربه فقال: ماذا قالوا لك وهو أعلم بما قالوا له؟ قال: يا رب سلمت عليهم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله قال: يا آدم هذه تحيتك وتحية ذريتك، قال: يا رب وما ذريتي؟! قال: اختر يدي، قال: أختار يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين. فبسط الله كفه فإذا كل ما هو كائن من ذريته في كف الرحمن عز وجل».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فاسمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فذهب فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً، فلم تزل الخلق تنقص حتى الآن».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ابن أبي الدنيا في صفة الجنة والطبراني في الكبير عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً، جعاداً مكحلين، ابناء ثلاث وثلاثين، وهم على خلق آدم طوله ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع».
وأخرج مسلم وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة. فيه خلق الله آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه مات، وفيه تيب عليه، وفيه تقوم الساعة».
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي نضرة قال: لما خلق الله آدم ألقى جسده في السماء لا روح فيه، فلما رأته الملائكة راعهم ما رأوه من خلقه، فأتاه إبليس فلما رأى خلقه منتصباً راعه، فدنا منه فنكته برجله، فصل آدم فقال: هذا أجوف لا شيء عنده.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال: خلق الله آدم في سماء الدنيا، وإنما أسجد له ملائكة سماء الدنيا ولم يسجد له ملائكة السموات.
وأخرج أبو الشيخ بسند صحيح عن ابن زيد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لما أراد أن يخلق آدم بعث ملكاً والأرض يومئذ وافرة فقال: اقبض لي منها قبضة آتني بها أخلق منها خلقاً قالت: فإني أعوذ بأسماء الله إن تقبض اليوم مني قبضة يخلق خلقاً يكون لجهنم منه نصيب، فعرج الملك ولم يقبض منها شيئاً فقال له: مالك...؟ قال: عاذت باسمائك أن أقبض منها خلقاً يكون لجهنم منه نصيب فلم أجد عليها مجازاً، فبعث ملكاً آخر، فلما أتاها قالت له مثل ما قالت للأوّل، ثم بعث الثالث فقالت له مثل ما قالت لهما، فعرج ولم يقبض منها شيئاً، فقال له الرب تعالى مثل ما قال للذين قبله.
ثم دعا إبليس واسمه يومئذ في الملائكة حباب فقال له: اذهب فاقبض لي من الأرض قبضة، فذهب حتى أتاها، فقالت له مثل ما قالت للذين من قبله من الملائكة، فقبض منها قبضة، ولم يسمع لحرجها، فلما أتاها قال الله تعالى: ما أعاذت بأسمائي منك؟ قال: بلى. قال: فما كان من أسمائي ما يعيذها منك؟ قال: بلى. ولكن أمرتني فأطعتك فقال الله: لأخلقن منها خلقاً يسوء وجهك، فألقى الله تلك القبضة في نهر من أنهار الجنة حتى صارت طيناً، فكان أول طين، ثم تركها حتى صارت حمأ مسنوناً منتن الريح، ثم خلق منها آدم، ثم تركه في الجنة أربعين سنة حتى صار صلصالاً كالفخار. يبس حتى كان كالفخار. ثم نفخ فيه الروح بعد ذلك، وأوحى الله الى ملائكته: إذا نفخت فيه من الروح فقعوا له ساجدين، وكان آدم مستلقياً في الجنة فجلس حين وجد مس الروح فعطس فقال الله له: أحمد ربك فقال: يرحمك ربك. فمن هنالك يقال: سبقت رحمته غضبه. وسجدت الملائكة إلا هو قام فقال: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [ الأعراف: 12] فاخبر الله أنه لا يستطيع أن يعلن على الله ما له يكيد على صاحبه فقال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، قال: فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها} إلى قوله: {ولا تجد أكثرهم شاكرين} [ الأعراف: 17] وقال الله: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} [ سبأ: 20] وإنما كان ظنه أن لا يجد أكثرهم شاكرين».

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10